سورة الدخان - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الدخان)


        


{خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (48)}
قوله تعالى: {خُذُوهُ} أي يقال للزبانية خذوه، يعني الأثيم. {فَاعْتِلُوهُ} أي جروه وسوقوه. والعتل: أن تأخذ بتلابيب الرجل فتعتله، أي تجره إليك لتذهب به إلى حبس أو بلية. عتلت الرجل أعتله وأعتله عتلا إذا جذبته جذبا عنيفا. ورجل، معتل بالكسر.
وقال يصف فرسا:
نفرعه فرعا ولسنا نعتله ***
وفيه لغتان: عتله وعتنه باللام والنون جميعا، قاله ابن السكيت. وقرأ الكوفيون وأبو عمرو {فَاعْتِلُوهُ} بالكسر. وضم الباقون. {إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ} وسط الجحيم. {ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ} قال مقاتل: يضرب مالك خازن النار ضربة على رأس أبي جهل بمقمع من حديد، فيتفتت رأسه عن دماغه، فيجري دماغه عل جسده، ثم يصب الملك فيه ماء حميما قد انتهى حره فيقع في بطنه، فيقول الملك: ذق العذاب. ونظيره {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ} [الحج: 19].


{ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (50)}
قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} قال ابن الأنباري: أجمعت العوام على كسر {إن}. وروي عن الحسن عن علي رحمه الله {ذُقْ إِنَّكَ} بفتح {أن}، وبها قرأ الكسائي. فمن كسر {إن} وقف على {ذُقْ}. ومن فتحها لم يقف على {ذُقْ}، لان المعنى ذق لأنك وبأنك أنت العزيز الكريم. قال قتادة: نزلت في أبي جهل وكان قد قال: ما فيها أعز مني ولا أكرم، فلذلك قيل له: ذق إنك أنت العزيز الكريم.
وقال عكرمة: التقى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو جهل فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إن الله أمرني أن أقول لك أولى لك فأولى» فقال: بأي شيء تهددني! والله ما تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا بي شيئا، إني لمن أعز هذا الوادي وأكرمه على قومه، فقتله الله يوم بدر وأذله ونزلت هذه الآية. أي يقول له الملك: ذق إنك أنت العزيز الكريم بزعمك.
وقيل: هو على معنى الاستخفاف والتوبيخ والاستهزاء والإهانة والتنقيص، أي قال له: إنك أنت الذليل المهان. وهو كما قال قوم شعيب لشعيب: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ} [هود: 87] يعنون السفيه الجاهل في أحد التأويلات على ما تقدم. وهذا قول سعيد بن جبير. {إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} أي تقول لهم الملائكة: إن هذا ما كنتم تشكون فيه في الدنيا.


{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (53)}
قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ} لما ذكر مستقر الكافرين وعذابهم ذكر نزل المؤمنين ونعيمهم. وقرأ نافع وابن عامر {في مقام} بضم الميم. الباقون بالفتح. قال الكسائي: المقام المكان، والمقام الإقامة، كما قال:
عفت الديار محلها فمقامها قال الجوهري: وأما المقام والمقام فقد يكون كل واحد منهما بمعنى الإقامة، وقد يكون بمعنى موضع القيام، لأنك إذا جعلته من قام يقوم فمفتوح، وإن جعلته من أقام يقيم فمضموم، لان الفعل إذا جاوز الثلاثة فالموضع مضموم الميم، لأنه مشبه ببنات الاربعة، نحو دحرج وهذا مدحرجنا.
وقيل: المقام بالفتح المشهد والمجلس، وبالضم يمكن أن يراد به المكان، ويمكن أن يكون مصدرا ويقدر فيه المضاف، أي في موضع إقامة. {أمين} يؤمن فيه من الآفاتِ {في جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} بدل {فِي مَقامٍ أَمِينٍ}. {يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ} لا يرى بعضهم قفا بعض، متواجهين يدور بهم مجلسهم حيث داروا. والسندس: ما رق من الديباج. والإستبرق: ما غلظ منه. وقد مضى في {الكهف}.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12